martes, 9 de agosto de 2011

الديمقراطية للتصدير وعلي المقاس - الأهرام المسائي ٢٠ يونيو ٢٠١١


الديمقراطية للتصدير وعلي المقاس
‏(‏ عن أوروبا ومصر وثورة‏25‏ يناير‏)‏
باسل رمسيس

248
عدد القراءات

ليس هناك أي ضمان حول أي من النماذج سينتصر‏,‏ نماذجهم علي مقاسهم أم نموذجنا علي مقاسنا وصناعة محلية؟‏.‏ ربما نجد المصريين يصرخون في الشوارع‏,‏ في مليونيات قادمة‏:‏ سيبونا في حالنا‏..‏ مش عايزين ديمقراطيتكم‏.‏

لا أعرف السبب في أن تترصد النساء المسنات المتحدثين في نهاية الندوات والمؤتمرات الخاصة بالثورة المصرية‏,‏ وأن يشاركوهم مخاوفهن وتصوراتهن‏.‏ في حالتي‏,‏ كانت المرة الأولي في برشلونة‏,‏ حينما استوقفتني ثلاث نساء ليسألنني إن كنت إشاركهن الرأي في أن ثورات العالم العربي هي مجرد مؤامرة من قبل المخابرات الأمريكية‏,‏ لتخريب الاقتصاد الأوروبي‏!!!.‏ كان هذا بعد أسبوعين من انتصار الثورة علي مبارك‏.‏ إلا أن المرة الأخيرة كانت قبل أيام قليلة‏,‏ في الجنوب الإسباني‏.‏ تسألني إحدي السيدات عما سيحدث إن انتصر الإسلاميون في الانتخابات ؟‏.‏ رددت عليها ببساطة بأن القوي السياسية الديمقراطية ستحترم نتائج الانتخابات‏,‏ وستظل تناضل من أجل دولة ديمقراطية علمانية ومجتمع أكثر عدلا واحتراما لمواطنيه‏.‏ كان سؤالها التالي‏:‏ وماذا عن إسرائيل؟‏..‏ أجبتها بأنني لا أعتقد بأن أيا من القوي السياسية المصرية ستقوم بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد‏.‏
إلا أنه من البديهي أنه في حالة تمكننا من بناء نظام ديمقراطي حقيقي‏,‏ سيكون هذا ضارا لإسرائيل‏.‏ علي سبيل المثال لن نهديها الغاز المصري‏.‏ وكما أن هذا النظام الديمقراطي سيفرض معادلات وحقائق جديدة في الشرق الأوسط‏.‏ فأفحمتني بجملتها الأخيرة‏:‏ أنا خايفة جداعلي مستقبل إسرائيل‏..‏ ربنا يحميها‏.‏
هذه ندوة من الندوات التي يدعو إليها المثقفون العرب نظراءهم من الأوروبيين التقدميين‏,‏ وكذلك الأكاديميون‏,‏ للحديث مع الجمهور الأوروبي عما يحدث في منطقتنا وما يسمونه بالربيع العربي‏.‏ وفي أي مدينة أوروبية‏,‏ ربما لا يمر أسبوع دون ندوة جديدة تتعلق بهذا الموضوع‏.‏
إلا أن هناك نوعا أخر من الندوات‏,‏ واسع الانتشار‏,‏ لا يستهدف توعية الجمهور الأوروبي بالثورات العربية‏,‏ عبر شهادات من شاركوا بها‏,‏ أو من يتابعونها بشغف‏.‏ هو عبارة عن حوارات تتم ما بين قادة الرأي العام وصناع القرار أو من يمثلونهم‏.‏ هدفها مختلف تماما‏,‏ وهو وضع التصورات والخطط للتعامل مع‏,‏ ومواجهة‏,‏ موجة التغيير في العالم العربي‏.‏ كان آخرها قبل يومين بالعاصمة الإسبانية‏,‏ شارك بها القليل من المتخصصين والكثير من خبراء وزارتي الخارجية والدفاع‏,‏ ومن ضمنهم بعض قادة الجيش‏.‏ وبالطبع السفير المصري في إسبانيا الذي قال قبل‏11‏ فبراير إن مايحدث مجرد شغب وإن الأمور عال العال‏.‏
النوع الأول من الندوات يتوجه لجمهور متعاطف بالأساس مع هذه الثورات والانتفاضات‏,‏ إلا أنه لا يفهم ما يحدث بوضوح‏.‏
بالتالي يتم التركيز علي المعلومات‏,‏ وشهادات النشطاء‏.‏ أما النوع الثاني‏,‏ فإنه لا يخرج عن سياق التصورات الاستعمارية التقليدية‏,‏ التي تستهدف حماية المصالح الأوروبية في المنطقة‏,‏ أيا كان الثمن‏.‏ وتستهدف حماية من يحمي تقليديا هذه المصالح عن قرب‏..‏أي إسرائيل‏.‏
والمشاركون في هذه الحالة لديهم المعلومات الكافية‏,‏ عبر أجهزة مخابراتهم‏,‏ لا يحتاجون للمعلومات التي يحتاجها جمهور النوع الأول من الندوات‏.‏ وبالتالي فليس من المستغرب أن تتم الحوارات حول عدد من المواضيع الأساسية‏,‏ من ضمنها تأثير الثورات علي المصالح الأوروبية‏,‏ بالذات في دول النفط‏,‏ ومصر باعتبارها الدولة العربية الأهم‏,‏ وتأثير الثورات علي باقي الدول الإفريقية والآسيوية ومخاطر امتدادها‏,‏ وتحولها لموجة من موجات التحرر‏,‏ وأن تتوهم الشعوب أنها قادرة علي التحكم في مواردها‏,‏ وتأثير هذه الثورات أيضا علي إسرائيل‏,‏ قطعة العالم الغربي المزروعة بتعسف في قلب عالم آخر‏.‏
وأخيرا استراتيجيات التعامل الأوروبي مع ثوراتنا‏,‏ وما يسمونه بالشراكة‏..‏ الإسلاميون‏,‏ وصولهم للسلطة من عدمه‏,‏ حريات النساء‏,‏ حقوق الإنسان‏,‏ هي مسائل هامشية في هذه الحوارات‏.‏ لكن السؤال غير الهامشي هو‏:‏ هل تستطيع شعوبنا السيطرة علي مقدراتها؟ هل تتوقف هذه الثورات قبل بلوغها الجانب الاجتماعي والاقتصادي؟ أوروبا ليست كتلة واحدة بالطبع‏,‏ هناك أوروبا الشعوب المستنيرة‏,‏ ورأس المال المتعدد الجنسيات‏,‏ والقوي السياسية والعسكرية ذات الامتداد الخارجي عبر حلفائها‏,‏ وأيضا القطاع الواسع من المواطنين الذي لا يعي ما يحدث‏,‏ وإن شم به رائحة الخطر علي مستوي حياته اليومية في الحالة المصرية تحديدا‏.‏ ورغم المفاجأة‏,‏ وعدم توقع أن تمتد الشرارة التونسية لمصر‏,‏ كانت قدرة مراكز صنع القرار في الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة علي المواجهة والتعامل أفضل من الحالة التونسية‏,‏ برغم ارتباكها اللحظي‏.‏ من هنا يمكننا فهم الدعم الواضح للجيش في تحركاته وسياسته‏,‏ بعد أن اتخذ قرار التضحية بـ مبارك وابنه‏.‏ لعبة السياسة لم تتوقف عند هذه المرحلة‏,‏ أتت ليبيا فيما بعد‏.‏ والنجاح في تحويل الثورة الليبية لحرب أهلية ليس فقط لحماية النفط الليبي‏,‏ وإنما لفرملة الموجة الثورية وإعطاء الدروس للمصريين‏.‏ نعيش الآن المرحلة الثالثة‏:‏ الاحتواء‏..‏ سنمنحك الديمقراطية المحدودة‏,‏ تحت وصايتنا ووصاية قيادة القوات المسلحة‏,‏ علي ألا تطالب بالمزيد‏.‏
في هذا السياق تتنافس كل البلدان الأوروبية علي من سيلتهم الجزء الأكبر من الكعكة‏,‏ وعن النموذج الديمقراطي ـ السابق الإعداد‏,‏ القابل للتصدير‏,‏ وعلي المقاس ـ الذي سيكتب له النجاح والقبول‏.‏ في إحدي الندوات اختلف صحفيان‏,‏ أحدهما تحدث عن ترويض الإخوان المسلمين‏,‏ وتحويلهم لـ حيوان منزلي‏.‏ بينما ركزت صحفية أخري علي ضرورة تقديم الدعم المالي لأحزاب الشباب الليبرالي الجديدة‏.‏ مع بحث بسيط في الإنترنت سيكتشف القارئ كم الأموال المخصصة لمصر الآن‏.‏
ليس من أجل التنمية‏,‏ وإنما للمعرفة والتأثير‏.‏ المئات من الريبورتاجات التليفزيونية‏,‏ تحقيقات صحفية‏,‏ أفلام‏..‏ إلخ‏.‏ وأيضا برامج لدعم الديمقراطية‏,‏ كما يريدها صناع القرار‏,‏ وملخصها‏:‏ ابتسم‏,‏ فأنت قد انتصرت‏..‏ حققت الديمقراطية‏..‏ فلتعد لمنزلك‏!‏ رغم بعض الخلاف والتنوع في النماذج المطروحة‏,‏ فإن القارئ يعي بوضوح أن هذه النماذج تلتقي حين يتعلق الأمر بمستقبلنا‏.‏ تلتقي في أن يكون التحول محدودا‏..‏ تغيير بعض الوجوه الأساسية دون تغيير جوهر النظام ذاته‏.‏ وأن يتم الاحتفاظ بمصر‏,‏ كقاعدة متقدمة تحمي مصالحهم عبر الفساد وتغييب المبادرة الشعبية‏.‏ ليس هناك أي ضمان حول أي من النماذج سينتصر‏,‏ نماذجهم علي مقاسهم أم نموذجنا علي مقاسنا وصناعة محلية؟‏.‏ ربما نجد المصريين يصرخون في الشوارع‏,‏ في مليونيات قادمة‏:‏ سيبونا في حالنا‏..‏ مش عايزين ديمقراطيتكم‏.‏

No hay comentarios: